فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} أي كلمةَ الشهادةِ، أو بسْم الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ، أو محمدُ رسولُ الله وقيلَ: كلمةُ التَّقوى هي الوفاءُ بالعهدِ والثباتُ عليهِ وإضافتُها إلى التَّقوى لأنَّها سببُ التَّقوى وأساسُها أو كلمةُ أهلِها.
{وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا} متصفينَ بمزيدِ استحقاقٍ لَها على أنَّ صيغةَ التفصيلِ للزيادة مُطلقًا، وقيلَ أحقُّ بَها منَ الكُفارِ {وَأَهْلُهَا} أي المستأهلَ لها {وَكَانَ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمًا} فيعلم حقَّ كلِّ شيءٍ فيسوقه إلى مستحقِّهِ. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {قُل لّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعراب}.
هم المذكورون سابقًا {سَتُدْعَوْنَ إلى قَوْمٍ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} قال عطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي ليلى، وعطاء الخراساني: هم فارس.
وقال كعب، والحسن: هم الروم.
وروي عن الحسن أيضًا أنه قال: هم فارس، والروم.
وقال سعيد بن جبير: هم هوازن، وثقيف.
وقال عكرمة: هوازن.
وقال قتادة: هوازن وغطفان يوم حنين.
وقال الزهري، ومقاتل: هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة، وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين {تقاتلونهم أَوْ يُسْلِمُونَ} أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام لا ثالث لهما، وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية.
قال الزجاج: التقدير: أو هم يسلمون، وفي قراءة أبيّ {أو يسلموا} أي: حتى يسلموا {فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا} وهو الغنيمة في الدنيا، والجنة في الآخرة {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} أي: تعرضوا {كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مّن قَبْلُ} وذلك عام الحديبية {يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} بالقتل والأسر والقهر في الدنيا، وبعذاب النار في الآخرة؛ لتضاعف جرمكم.
{لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} أي: ليس على هؤلاء المعذورين بهذه الأعذار حرج في التخلف عن الغزو؛ لعدم استطاعتهم.
قال مقاتل: عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية، والحرج: الإثم {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فيما أمراه به ونهياه عنه {يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهر} قرأ الجمهور {يدخله} بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو حاتم، وأبو عبيد، وقرأ نافع، وابن عامر بالنون {وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} أي: ومن يعرض عن الطاعة يعذبه الله عذابًا شديد الألم.
ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم، وشهدوا بيعة الرضوان، فقال: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} أي: رضي الله عنهم وقت تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، والعامل في {تَحْتِ} إما يبايعونك، أو محذوف على أنه حال من المفعول، وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل: سدرة، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشًا، ولا يفرّوا.
وروي أنه بايعهم على الموت، وقد تقدّم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريبًا، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير.
{فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ} معطوف على يبايعونك، قال الفراء: أي: علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء.
وقال قتادة، وابن جريج: من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفرّوا.
وقال مقاتل: من كراهة البيعة على الموت {فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ} معطوف على رضي، والسكينة: الطمأنينة وسكون النفس، كما تقدّم، وقيل: الصبر {وأثابهم فَتْحًا قَرِيبًا} هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية، قاله قتادة، وابن أبي ليلى، وغيرهما، وقيل: فتح مكة، والأوّل أولى.
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} أي: وأثابكم مغانم كثيرة، أو وآتاكم، وهي غنائم خيبر، والالتفات لتشريفهم بالخطاب {وَكَانَ الله عَزِيزًا حَكِيمًا} أي: غالبًا مصدرًا أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة.
{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدّر وقوعها فيها {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} أي: غنائم خيبر، قاله مجاهد وغيره، وقيل: صلح الحديبية {وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ} أي: وكفّ أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح، وقيل: كفّ أيدي أهل خيبر، وأنصارهم عن قتالكم، وقذف في قلوبهم الرعب.
وقال قتادة: كفّ أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية، وخيبر، ورجح هذا ابن جرير، قال: لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ} وقيل: كَفَّ أَيْدِيَهُمْ الناس عَنْكُمْ يعني: عيينة بن حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما، إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبيّ صلى الله عليه وسلم لهم {وَلِتَكُونَ ءايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ} اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدّر بعده، أي: فعل ما فعل من التعجيل والكفّ؛ لتكون آيةً، أو على علة محذوفة تقديرها: وعد فعجل وكفّ؛ لتنتفعوا بذلك؛ ولتكون آية.
وقيل: إن الواو مزيدة، واللام لتعليل ما قبله، أي: وكفّ لتكون؛ والمعنى: ذلك الكفّ آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يعدكم به {وَيَهْدِيَكُمْ صراطا مُّسْتَقِيمًا} أي: يزيدكم بتلك الآية هدى، أو يثبتكم على الهداية إلى طريق الحقّ {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} معطوف على هذه، أي: فعجل لكم هذه المغانم، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها، وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما، كذا قال الحسن، ومقاتل، وابن أبي ليلى، وقال الضحاك، وابن زيد، وابن أبي إسحاق: هي خيبر وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها، ولم يكونوا يرجونها، وقال قتادة: فتح مكة، وقال عكرمة: حنين، والأوّل أولى {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} صفة ثانية لأخرى.
قال الفراء: أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها، والمعنى: أنه أعدّها لهم، وجعلها كالشيء الذي قد أحيط به من جميع جوانبه، فهو محصور لا يفوت منه شيء، فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم، وقيل: معنى {أحاط}: علم أنها ستكون لهم {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء قَدِيرًا} لا يعجزه شيء، ولا تختصّ قدرته ببعض المقدورات دون بعض.
{وَلَوْ قاتلكم الذين كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأدبار} قال قتادة: يعني: كفار قريش بالحديبية، وقيل: أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر، والأوّل أولى.
{ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا} يواليهم على قتالكم {وَلاَ نَصِيرًا} ينصرهم عليكم.
{سُنَّةَ الله التي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ} أي: طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه، وانتصاب {سنة} على المصدرية بفعل محذوف، أي: بيّن الله سنة الله، أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدّمة {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} أي: لن تجد لها تغييرًا، بل هي مستمرّة ثابتة {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} أي: كفّ أيدي المشركين عن المسلمين، وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدّون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه عن البيت عام الحديبية، وهي المراد ببطن مكة.
وقيل: إن ثمانين رجلًا من أهل مكة هبطوا على النبيّ من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذهم المسلمون، ثم تركوهم.
وفي الرواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} لا يخفى عليه من ذلك شيء.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ} يقول: فارس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: فارس، والروم.
وأخرج الفريابي، وابن مردويه عنه قال: هوازن، وبني حنيفة.
وأخرج الطبراني، قال السيوطي: بسند حسن عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى، فقال: كيف لي وأنا ذاهب البصر؟ فنزلت {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} الآية.
قال: هذا في الجهاد، وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت شجرة سمرة، فبايعناه، فذلك قول الله تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة} فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس: هنيئًا لابن عفان يطوف بالبيت، ونحن ها هنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف» وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت.
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قيل: على أي شيء كنتم تبايعونه يومئذ؟ قال: على الموت.
وأخرج مسلم، وغيره عن جابر قال: بايعناه على أن لا نفرّ، ولم نبايعه على الموت.
وأخرج أحمد، وأبو داود، والترمذي عن جابر، عن النبي قال: «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» وأخرج مسلم من حديثه مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {فَأنزَلَ السكينة عَلَيْهِمْ} قال: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} يعني: الفتح.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضًا {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} يعني: خيبر {وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ} يعني: أهل مكة أن يستحلوا حرم الله، ويستحلّ بكم وأنتم حرم {وَلِتَكُونَ ءايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ} قال: سنة لمن بعدكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عنه أيضًا في قوله: {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عنه أيضًا {وأخرى لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} قال: هي خيبر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلًا من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية: {وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}.
وفي صحيح مسلم، وغيره: أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة بن الأكوع يوم الحديبية.
وأخرج أحمد، والنسائي، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل في سبب نزول الآية: أن ثلاثين شابًا من المشركين خرجوا يوم الحديبية على المسلمين في السلاح، فثاروا في وجوههم، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله بأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم، فقام إليهم المسلمون فأخذوهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحد أمانًا»؟ فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فنزلت هذه الآية. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}.
أخرج الطبراني بسند حسن عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال: كيف بي وأنا ذاهب البصر فنزلت {ليس على الأعمى حرج} الآية قال: هذا في الجهاد ليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا.
أما قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه فذلك قول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} فبايع لعثمان رضي الله عنه إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس: هنيئًا لابن عفان رضي الله عنه يطوف بالبيت ونحن ههنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف».
وأخرج البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون فقلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان. فأتيت سعيد بن المسيب رضي الله عنه فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد رضي الله عنه: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع رضي الله عنه قال: بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ناسًا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت.
وأخرج البخاري وابن مردويه عن قتادة رضي الله عنه قال: قلت لسعيد بن المسيب: كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان؟ قال: خمس عشرة مائة قلت: فإن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كانوا أربع عشرة مائة. قال: يرحمه الله وهم، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة.
وأخرج البخاري ومسلم وابن جرير وابن مردويه عن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلثمائة.
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم خير أهل الأرض».
وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب والبخاري ومسلم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم خير أهل الأرض».
وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة ألفًا وأربعمائة.
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قيل: على أي شيء كنتم تبايعون؟ قال: على الموت.
وأخرج البيهقي عن عروة رضي الله عنه قال: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية فزعت قريش لنزوله عليهم فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلًا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه إليهم، فقال: يا رسول الله إني لا آمن، وليس بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها وإنه يبلغ لك ما أردت. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه فأرسله إلى قريش وقال: أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال وإنما جئنا عمارًا وادعهم إلى الإِسلام وأمره أن يأتي رجالًا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح. ويخبرهم أن الله وشيك أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإِيمان فانطلق عثمان رضي الله عنه إلى قريش فأخبرهم، فارتهنه المشركون، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالبيعة فأخرجوا على اسم الله فبايعوه، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أن لا يفروا أبدًا فرعبهم الله فأرسلوا من كانوا ارتهنوا من المسلمين ودعوا إلى الموادعة والصلح.